سيدة المقشات



لم اكن اعلم انه من الصعب على الانسان مننا ان يشعر انه عكس الاخرين و قد نكون عكس الاخرين ولكن لا نشعر بذلك

فمنذ بداية عملى الذى يبدأ ليلا وينتهى نهارا وانا اشعر انى مجرد آلة ولست بانسان واذا شعرت للحظة بانى انسان ... فانى اشعر انى إنسان عكس الانسانية

ها هو الميكروباص الذى سوف يقودنى الى منزلى لكى القى بنفسى على السرير حتى استيقظ لكى اعود إليه مرة اخرى

ولكن كم جميل ان يشعر الفرد بالهدوء والنقاء وعدم وجود كثير من البشر او المواصلات الاخرى فى هذه الساعات الاخيرة من الليل والساعات الاولى من النهار

وها هى الشمس تلقى بنورها على الاشجار والعصافير وعلى الميكروباص الذى اركب به ... ولكن ... ما هذا انه توقف

وارى امامى سيدة المقشات .. انها تبدو فى الاربعين .. نحيفة .. قد ترك الزمن تجاعيده على وجهها ويبدو انها لم تنل قسط من الراحة فى الليلة الماضية ... او فى اغلب الليالى... ترتدى جلباب اسود بطرحة سوداء اشبه بالايام التى قد تكون تعيشها

وتحمل على رأسها حقبة من المقشات وها هى تتحدث مع السائق على أين يكون موضع المقشات فى الميكروباص

فيقول لها السائق : حطيهم على الشكبة من فوق

سيدة المقشات : يعنى يا بنى مش هيقعوا

السائق : لا متخفيش يا ست

واذا بالتباع يقوم بوضع المقشات على شبكة الميكروباص وينطلق الميكروباص ...

وبين كل لحظة والاخرى ارى سيدة المقشات تنظر للخلف حيث تخشى على ان تكون احدى المقشات سقطت … شعرت انها قد تكون تركت اولادها فى الاعلى وتخشى ان يصاب احدهم بمكروه

واذا بالتباع يراها و يقول لها :

تحب اربطهم لك يا ست

سيدة المقشات : هتعرف تربطهم يا بنى

واذا بالتباع يقوم بالخروج من الشباك الذى بجواره والميكروباص مازال منطلقا بسرعته العادية

فاذا بسيدة المقشات تصرخ : لالالا يا بنى تغور المقشات … اهم حاجة انت يا بنى

التباع : متخفيش يا ست .. هربطهم لك يا ست على طول

سيدة المقشات : لالالا يا بنى لما العربية تقف ابقى اربطهم

واذا باحد الركاب يتحدث للسائق ويقول :

على جنب يا اسطى بعد اذنك

واذا بالراكب يخرج من الميكروباص ويقول التباع لسيدة المقشات : هربطهم لك بقى دلوقتى

سيدة المقشات : ربنا يخليك يا ابنى

واذا بالتباع يتسلق الى شبكة الميكروباص وينادى الى سيدة المقشات ويقول :

يا ست يا ست .. المقشات وقعت

حينها نظرت الى سيدة المقشات …. فاذا بالحسرة والياس والهم والغم يحاصرونها فتصرخ وتقول وهى تنزل من الميكروباص :

مش موجودة بجد يا بنى …. ما انا قولت للسواق .. قالى مش هتقع… يا رب .. يا رب

واذا بها تمشى وتترك الميكروباص لكى تبحث على مقشاتها

واذا باحد الركاب يصرخ بالسائق : يا اسطى حرام عليكى دى ست غلبانة ارجع دور معاها على مقاشاتها

واذا بالسائق لا يحرك ساكناً

واذا براكب اخر : يا اسطى انت متعرفش ظروف الناس دى عامله ازاى … دا ربنا ممشيها معاهم بالبركة

واذا باخر : يا اسطى وبعدين فى العطلة اللى احنا فيها دى … عاوزين نروح بيتنا

واذا بالسائق يقوم بالرجوع للخلف … … ثم يرجع مرة اخرى … ويرجع مرة اخرى

ولا يوجد اثر للمقشات … ولا لسيدة المقشات

واذا بالسائق يقوم بلف الميكروباص ويصبح مخالف للسيارات القادمة ويتنطلق مسرعاً فاذا بنا نرى سيدة المقشات …. تمشى ببطء … لما تحمله من هموم …. ويأس … واحباط .. فى بداية يوم … لم يكتمل فيه قرص الشمس

واذا بالسائق يتجاوز السيدة وينطلق مسرعا … حتى يرى المقشات …. ويقوم بوضعها فى السيارة واذا به يقوم بالدوران مرة اخرى ليصبح غير مخالف ويسير فى اتجاه السيارات الاخرى

واذا به يرى سيدة المقشات فيقف لها … ويقول التباع : تعالى يا ست لاقينا المقشات

فتنظر سيدة المقشات إليه بدهشة وكانها لم تصدق ما هى فيه

: بجد يا بنى..! دا انا خلاص كنت مروحة

واذا بها تركب وتقول : قعدونى بقى جنب مقشاتى

فاذا باحد الركاب يسالها على ثمن المقشة الواحدة فتقول له بجنيه ونصف فيقوم من بالميكروباص بشراء المقشات التى معاها

فترتسم على وجهها ابتسامة... ابتسامة تحاول جاهدة مواجهة تلك التجاعيد الحزينة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق